فصل: تفسير الآية رقم (104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (104):

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير عطفًا على {فظلموا بها}: ووضعها موسى مواضعها، عبر عنه بقوله: {وقال موسى يا فرعون} خاطبه بما يعجبه امتثالًا لأمر الله تعالى له أن يلين في خطابه، وذلك لأن فرعون لقب مدح لمن ملك مصر.
ولما أتاهم عليه السلام وهم عارفون بأمانته وصدقه وعظم مكانته ومكارم أخلاقه وشريف عنصره وعظيم مخبره، وفرعون أعظمهم معرفة به لأنه ربي في حجره، كان هذا حالًا مقتضيًا لأن يلقي إليهم الكلام غير مؤكد، لكن لما كان الإرسال من الله أمرًا عظيمًا جدًّا، وكان المقصود به تخلية سبيل بني إسرائيل، وكان فرعون ضنينًا بذلك، أكده بعض التأكيد فقال: {إني رسول} ثم بين مرسله بقوله: {من رب العالمين} أي المحسن إليهم أجمعين- وأنتم منهم- بإيجادهم وتربيتهم، فهو تنبيه لمن سمعه على أن فرعون مربوب مقهور. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه كان يقال لملوك مصر: الفراعنة، كما يقال لملوك فارس: الأكاسرة، فكأنه قال: يا ملك مصر، وكان اسمه قايوس، وقيل: الوليد بن مصعب بن الريان.
قوله: {إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبِّ العالمين} فيه إشارة إلى ما يدل على وجود الإله تعالى.
فإن قوله: {رَبّ العالمين} يدل على أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه، وإله يوجده ويخلقه. اهـ. بتصرف يسير.

.قال أبو حيان:

{وقال موسى يا فرعون من ربّ العالمين}.
هذه محاورة من موسى عليه السلام لفرعون وخطاب له بأحسن ما يدعى به وأحبّها إليه إذ كان من ملك مصر يقال له فرعون كنمرود في يونان، وقيصر في الروم، وكسرى في فارس، والنجاشي في الحبشة وعلى هذا لا يكون فرعون وأمثاله علمًا شخصيًّا بل يكون علم جنس كأسامة وثعالة ولما كان فرعون قد ادعى الرّبوبية فاتحه موسى بقوله: {إني رسول من ربّ العالمين} لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطل لا محق. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ مُوسَى} كلام مبتدأ مسوق لتفصيل ما أجمل فيما قبله.
{يا فرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ} أي إليكم كما يشعر به {قَدْ جِئْتُكُمْ} [الأعراف: 105] أو إليك كما يشعر به {فأرسل} [الأعراف: 105] أي إليكم كما يشعر به قد جئتكم أو إليك كما يشعر به فأرسل {مِن رَّبّ العالمين} أي سيدهم ومالك أمرهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}.
عُطف قول موسى بالواو، ولم يفصل عمّا قبله، مع أن جملة هذا القول بمنزلة البيان لجملة {بعثنا من بعدهم موسى} [الأعراف: 103]، لأنه لما كان قوله: {بآياتنا} [الأعراف: 103] حالًا من موسى فقد فهم أن المقصود تنظير حال الذين أرسل إليهم موسى بحال الأمم التي مضى الإخبار عنها في المكابرة على التكذيب، مع ظهور آيات الصدق، ليتم بذلك تشابه حال الماضين مع حال الحاضرين المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجُعلت حكايةُ محاورة موسى مع فرعون وملئه خَبَرًا مستقلًا لأنه لم يُحك فيه قوله المقارن لإظهار الآية بل ذكرت الآية من قبلُ، بخلاف ما حكي في القصص التي قبلَها فإن حكاية أقوال الرسل كانت قبل ذكر الآية، ولأن القصة هنا قد حكي جميعها باختصار بجُمَل {بَعَثْنَا} [الأعراف: 103]، {فظلموا} [الأعراف: 103]، {فانظر} [الأعراف: 103]، فصارت جملة: {قال} تفصيلًا لبعض ما تقدم، فلا تكون مفصولة لأن الفصل إنما يكون بين جملتين، لا بين جملة وبين عدة جمل أخرى.
والظاهر أن خطاب موسى فرعونَ بقوله: {يا فرعون} خطاب إكرام لأنه ناداه بالاسم الدال على الملك والسلطان بحسب متعارف أمته فليس هو بترفع عليه لأن الله تعالى قال له ولهارون {فقولا له قولًا لينًّا} [طه: 44]، والظاهر أيضًا أن قول موسى هذا هو أول ما خاطب به فرعون كما دلت عليه سورة طه.
وصوغ حكاية كلام موسى بصيغة التأكيد بحرف أن لأن المخاطب مظنة الإنكار أو التردد القوي في صحة الخبر.
واختيار صفة {رب العالمين} في الإعلام بالمرسِل إبطال لاعتقاد فرعون أنه رب مصر وأهلها فإنه قال لهم: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] فلما وصف موسى مُرْسلَه بأنه رب العالمين شمل فرعون وأهل مملكته فتبطل دعوى فرعون أنه إلاه مصر بطريق اللزوم، ودخل في ذلك جميع البلاد والعباد الذين لم يكن فرعون يدعي أنه إلههم مثل الفرس والأشوريين. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}.
ويشرح لنا القرآن أمر بلاغ موسى لفرعون وقومه بان الله واحد أحد وهو رب العالمين، وكان قوم فرعون يعتقدون بوجود إله للسماء وآخر للأرض، لذلك يبلغهم موسى بأن الإِله واحد: {قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} [الشعراء: 24].
ونجد موسى يعدد كلمة الربوبية في آيات أخرى؛ ليأتي بالمظهر الذي دُسَّت فيه دسيسة الربوبية لفرعون، وكانوا يعتقدون أن للسماء إلهًا، وللأرض إلهًا آخر، فقال موسى: إنني أتكلم عن الإِله الواحد الذي هو رب السماء والأرض معًا فلا إله إلا الله وحده. وكانوا يعتقدون أن للشرق إلهًا، وللغرب إلهًا، فأبلغهم موسى بأنه إله واحد، وكانوا يعتقدون أن للأحياء ألهًا وربًا، وللأموات إلهًا وربًا، فقال لهم موسى: {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأولين} [الشعراء: 26].
ويبلغ هنا موسى فرعونَ وقومَه: {... إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الأعراف: 104].
وما دام موسى رسولا من رب العالمين، فهو لا يقول إلا الحق، لذلك يتابع الحق على لسان موسى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ...}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (105):

قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما خلفه مما يدعيه من الربوبية دالًا على تسويته ببقية العالمين: ناطقهم وصامتهم، وكان لذلك بعيدًا من الإذعان لهذا الكلام، أتبعه قوله على وجه التأكيد مستأنفًا بيان ما يلزم للرسول: {حقيق} أي بالغ في الحقية، وهي الثبات الذي لا يمكن زواله {على أن لا أقول على الله} أي الذي له جميع الكمال، ولا عظمة لسواه ولا جلال {إلا الحق} أي الثابت الذي لا تمكن المماراة فيه اصلًا لما يصدقه من المعجزات، وحاصل العبارة ومآلها: حق على قولي الذي أطلقه على الله أن لا يكون إلا الحق أي غير الحق، ولذلك عبر بالاسم الأعظم الجامع لجميع الصفات، وقراءة نافع بتشديد ياء الإضافة في {على} بمعنى هذا سواء، لأن من حق عليه شيء حق على كلامه.
ولما كان الحال إذ ذاك يقتضي توقع إقامة موسى عليه السلام البينة على صحة رسالته كان كأنه قيل: ما دليل صدقك؟ فقال مفتتحًا بحرف التوقع والتحقيق: {قد جئتكم} أي كلكم، لا أخص أحدًا منكم {ببينة} دليلًا على رسالتي وقولي الحق {من ربكم} أي المحسن إليكم بكل نعمة ترونها لديكم من خلقكم وزرقكم وكف الأمم عن انتزاع هذا الملك منكم وإهلاككم، وتلك البينة هي المعجزة، فكرر البيان في هذا الكلام على أن فرعون ليس كما يدّعي لأنه مربوب، لا فرق بينة وبين بقية العالمين في ذلك.
ولما كان من المعلوم أن مثله في تمام عقله وشرف خلائقه لا يدّعي في تلك المجامع إلا حقًا مع ما نبه عليه من البيان على تفرد الله بالإلهية كما تفرد بالإحسان، كان كأنه أظهر البينة التي أقلها كفهم عن إهلاكهم.
فأتبع ذلك طلب النتيجة إعلامًا بغاية ما يريد منهم بقوله مسببًا عن مجرد هذا الإخبار الذي كان قد أوقع مضمونه: {فأرسل} أي يا فرعون {معي بني إسرائيل} أي فسبب إقامتي الدليل على صحة ما قلته أن أمُر بما جئت له- وهو إرسالهم معي- أمر من صار له سلطان بإقامة البينة لنذهب كلنا إلى بيت المقدس موطن آبائنا التي أقسم الله لهم أن يورثها أبناءهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق}.
المعنى أن الرسول لا يقول إلا الحق، فصار نظم الكلام.
كأنه قال: أنا رسول الله، ورسول الله لا يقول إلا الحق، ينتج أني لا أقول إلا الحق، ولما كانت المقدمة الأولى خفية، وكانت المقدمة الثانية جلية ظاهرة، ذكر ما يدل على صحة المقدمة الأولى، وهو قوله: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ} وهي المعجزة الظاهرة القاهرة.
ولما قرر رسالة نفسه فرع عليه تبليغ الحكم، وهو قوله: {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إسرائيل} ولما سمع فرعون هذا الكلام قال: {إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ} واعلم أن دليل موسى عليه السلام كان مبنيًا على مقدمات: إحداها: أن لهذا العالم إلهًا قادرًا عالمًا حكيمًا.
والثانية: أنه أرسله إليهم بدليل أنه أظهر المعجز على وفق دعواه، ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يكون رسولًا حقًا.
والثالثة: أنه متى كان الأمر كذلك كان كل ما يبلغه من الله إليهم، فهو حق وصدق.
ثم إن فرعون ما نازعه في شيء من هذه المقدمات إلا في طلب المعجزة، وهذا يوهم أنه كان مساعدًا على صحة سائر المقدمات، وقد ذكرنا في سورة طه أن العلماء اختلفوا في أن فرعون هل كان عارفًا بربه أم لا؟ ولمجيب أن يجيب، فيقول: إن ظهور المعجزة يدل أولًا على وجود الإله القادر المختار، وثانيًا: على أن الإله جعله قائمًا مقام تصديق ذلك الرسول، فلعل فرعون كان جاهلًا بوجود الإله القادر المختار، وطلب منه إظهار تلك البينة حتى أنه إن أظهرها وأتى بها كان ذلك دليلًا على وجود الإله أولًا، وعلى صحة نبوته ثانيًا، وعلى هذا التقدير: لا يلزم من اقتصار فرعون على طلب البينة، كونه مقرًا بوجود الإله الفاعل المختار.
فائدة:
قرأ نافع {حقيق عَلَىَّ} مشدد الياء والباقون بسكون الياء والتخفيف.
أما قراءة نافع {فحقيق} يجوز أن يكون بمعنى فاعل.
قال الليث: حق الشيء معناه وجب، ويحق عليك أن تفعل كذا، وحقيق علي أن أفعله، بمعنى فاعل.
والمعنى: واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، وضع فعيل في موضع مفعول.
تقول العرب: حق علي أن أفعل كذا وإني لمحقوق على أن أفعل خيرًا، أي حق علي ذلك بمعنى استحق.
إذا عرفت هذا فنقول: حجة نافع في تشديد الياء أن حق يتعدى بعلي.
قال تعالى: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا} [الصافات: 31] وقال: {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} [الإسراء: 16] فحقيق يجوز أن يكون موصولًا بحرف على من هذا الوجه، وأيضًا فإن قوله: {حَقِيقٌ} بمعنى واجب، فكما أن وجب يتعدى بعلي، كذلك حقيق إن أريد به وجب، يتعدى بعلي.
وأما قراءة العامة {حَقِيقٌ عَلَىَّ} بسكون الياء.
ففيه وجوه: الأول: أن العرب تجعل الباء في موضع {علي} تقول: رميت على القوس وبالقوس، وجئت على حال حسنة، وبحال حسنة.
قال الأخفش: وهذا كما قال: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صراط تُوعِدُونَ} [الأعراف: 86] فكما وقعت الباء في قوله: {بِكُلّ صراط} موضع {علي} كذلك وقعت كلمة {على} موقع الباء في قوله: {حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لا أَقُولَ} يؤكد هذا الوجه قراءة عبد الله: {حَقِيقٌ بِأَنَّ لا أَقُولَ} وعلى هذه القراءة فالتقدير: أنا حقيق بأن لا أقول، وعلى قراءة نافع يرتفع بالابتداء، وخبره {أَن لا أَقُولَ} الثاني: أن الحق هو الثابت الدائم، والحقيق مبالغة فيه، وكان المعنى: أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق.
الثالث: الحقيق هاهنا بمعنى المحقوق، وهو من قولك: حققت الرجل إذا ما تحققته وعرفته على يقين، ولفظة {عَلَىَّ} هاهنا هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية، كقوله تعالى: {فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} [الروم: 30] وتقول: جاءت فلان على هيئته وعادته، وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات، فمعنى الآية: أني لم أعرف ولم أتحقق إلا على قول الحق.
والله أعلم.
أما قوله: {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إسرائيل} أي أطلق عنهم وخلهم، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة، مثل ضرب اللبن ونقل التراب، فعند هذا الكلام قال فرعون: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. اهـ. بتصرف يسير.